29 - 06 - 2024

إبداعات | البئر .. قصة قصيرة يكتبها: محمود عبدالشافي

إبداعات | البئر .. قصة قصيرة يكتبها: محمود عبدالشافي

كل ماكان يميزه عن شباب القرية طيبته المفرطة وحبه للجميع هادئ الطبع ابتسامته لاتفارق شفتيه هكذا عرفنا (عابد)

لكن بعد عودتة آخر مرة من مزرعة« بوادي النطرون» تغير كل شئ في شخصية «عابد» 

أصبح يميل للعزلة والإنطواء، يغلق عليه غرفته وبعد

قليل تنساب أغاني غريبة أعتقدنا في بادئ الأمر أنه شريط كاسيت أو ربما راديو ترانزستور لكن صوت البكاء 

الذي كان يستمر لساعات أدخل في قلوبنا الرعب 

(هل أرتكب «عابد»  إثما كبيرا هناك ليعاقب نفسه؟) 

كسرت الباب لأدخل له الطعام والماء وناشدته رفقا بنفسك ياصديقي ماذا حدث، كأنه لم يسمعني ودخل في نوبة بكاء. طارت أخباره للقرى المجاورة. جاء من يقرأ القرآن وآخر لفك طلاسم السحر لكن دون جدوى

بعد اسبوع دخلت غرفته 

أحكي لي «ياعابد»  ماذا جرى

جاء صوته كأنه خارج من بئر عميق :

في ليلة حارة أحسست بالعطش هززت «القلة» 

كانت فارغة تماما رحت إلى البئر كان القمر يفترش

سطحه مددت يدي لأغرف الماء، رأيتها تخرج وسط هالة من النور أطفأ نور قمر الليلة قالت: من مائة عام وأنا أنتظرك هنا ,«ياعابد» 

أرتعبت أوصالي أخذت أجري وأجري ولا اعرف إلى اين؟ ......

رجع «عابد» للقرية وبعد فترة اعتكاف بالغرفة خرج

لكن إلى جلسات الذكر وحلقات المريدين أطلق لحيتة 

ولف عمامة خضراء وخاتم ياقوت أخضر بأصبعة

ومسبحة طويلة تعرف على المريدين ومن حلقة ذكر 

(بالسيدة زينب إلى الحسين إلى طنطا سيدي أحمد البدوي)

ذاع صيته بين المنشدين صوته الشجي يلهب مشاعر المريدين فتعلو الآهات

«مدد ياأم الغلابة»  

فجأة عاد للقرية وأتخذ من مقام سيدي« أبو رايتين» 

مكان لإقامته ينظف ويغسل الضريح ويطلق البخور  مساء كل خميس

عندما وجدوه ملقي أمام الضريح أخذوه للطبيب  وعندما أفاق رفض أخذ الدواء، نقلوه لداره وفي نفس الليلة ذهبت روحه لبارئها. في الصباح جهزوه للدفن 

وضعوه في الصندوق ليذهبوا به للمقابر تغير إتجاه النعش واتجه ناحية ضريح (سيدي أبو رايتين) وسط فرحة غامرة من أهل القرية 

فشلت كل المحاولات لرفع النعش من مكانه، تركوه للصباح بعد إغلاق الضريح

في الصباح فتحوا الضريح كان الصندوق فارغا

تعالت زغاريد النساء.. أكتب الآن من أمام ضريح سيدي«عابد»
-----------------------------
بقلم: محمود عبد الشافي






اعلان